
واشنطن ... وبدائل فقدان القدرة ..!
لم يعد التنافر الأمريكي مع برنامج السياسة الخارجية الذي أقره الرئيس بايدن في حملته الإنتخابية مجرد لعبة سياسية فحسب ، بل ما ينتهجه الدور الامريكي يتعدى بمعطايته الأخيرة مجال البراغماتية السياسية ، وهو ما يجعل الحبكة العسكرية و السياسية لواشنطن بتحالفاتها الحالية خالية من الفاعلية الجدية لمسار سياسي معتمد أصولا˝ ، خصوصا˝ على ضوء ما تسعى إليه دول الخليج المترددة في تنويع تحالفاتها و الساعية إلى توازن إستراتيجي مع طهران في الساحة اللبنانية و اليمنية ، و هو ما يجعل الساحة الأمريكية شبه فارغة من المكتسبات على ضوء المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة بعد الخروج الأمريكي من أفغانستان و التي تتلاعب فيه أنقرة تارة في إغلاق الأبواب في وجه الإتحاد الأوروبي ، و تارة في مقايضة واشنطن بتسريع موافقات تحكم الميدان السوري و تزيد الضغط على حلفاء دمشق بخلط أوراق موسكو و طهران في ذات الميدان ، و هو نفس النهج الخليجي المتبع في إطار المنطقة بسعي أنقرة إلى عسكرة الشمال السوري و تحديد ضفتي التعامل مع كل من المعسكرين في سوريا مع إستغلال التجاذب الإمريكي مع بكين و موسكو كصاعد منافس و إستراتيجي حاد ترى فيه واشنطن مصدر مقلق لخروج آخر من البر الآسيوي و مقلق آخر في القارة السمراء يفقدها مكتسباتها و بعض المصالح ، فالرغبة الأمريكية في إعادة الإتفاق النووي مع إيران تحدها شرقا˝ خسارة أفغانية لم تزل تداعياتها قائمة ، و تحدها غربا˝ شبه خسارة وشيكة في أهم مضيق مائي لا تزال ترى فيه واشنطن صندوق بريد عسكري و إستخباراتي مهم في وجه إيران و داعم معنوي لحلفاء واشنطن الذين بدؤا التشكيك في قدرة التأثير الأمريكية في المنطقة على غرار أفغانستان و تحالفات العقدين المنصرمين ، لا بل يقع القلق الإسرائيلي في الغرب الآسيوي على وقع قرع طبول التخلي الأمريكي عن بعض ما كسبته تل أبيب في صفقات التطبيع التي جرت مع الدول الخليجية ، وهو عامل مضاف لما يقوله الداخل الإسرائيلي في طياته الإعلامية بعد فشل الجيش الأمريكي في قرصنة ناقلة النفط في 4 تشرين الثاني الحالي و رد الحرس الثوري بطريقة متناهية الدقة على العملية ، و هو ما يجعل تل أبيب بقلق جدي من الضعف الأمريكي في المنطقة ، بينما ترى تركيا الساحة مؤاتية لتقدم يحرز مكاسب عسكرية و جيوإستراتيجية طالما سعت لها أنقرة لمقايضتها في أماكن آخرى ، تزيد من النفوذ التركي في ليبيا و الميدان الأفريقي القريب من أوروبا و واشنطن للتملص من العقوبات الغربية ، و لترميم الجسر العسكري مع واشنطن بصفقة طائرات F35 التي توقفت لفترة و التي تعوض ما خسره الحليف التركي في السياسة الخارجية ، و على ضوء الفقر الأمريكي في التأثير الجديد ترى تل أبيب حليفة أنقرة بذات المنظار التركي لجهة أنها أرسلت رسائل عبر وسائطها الإعلامية في 29 تشرين الاول المنصرم من أن سلاح الجو الإسرائيلي سيبدأ التدريب على ضرب أهداف نووية إيرانية إعتبارا˝ من العام القادم بحسب صحيفة “ إسرائيل اليوم “ و تخصيص مؤسسة الدفاع الصهيونية مبلغ يصل لمليار و نصف تحسبا˝ لفشل واشنطن في تسريع عودة طهران للإتفاق النووي الموقع بعام 2015 و بالصيغة الحالية ، و هو ما ترى فيه تل أبيب فشل متراكم لقدرة تغيير واشنطن صيغة الإتفاق مع طهران ليشمل البرنامج الصاروخي و ما تسميه "النفوذ الإيراني " المتزايد في الشرق الأوسط ، و هي أسباب تنسحب على باقي حلفاء واشنطن في المنطقة العربية ، والتي يزيدها قلقا˝ ما تسميه التسريبات الإعلامية توقف لإطلاق نار ديبلوماسي مع موسكو بعد قمة المناخ ،وتخاذل واشنطن في تراجع الرئيس بايدن في صفقة الأسلحة التي تقدر ب 500 مليون دولار مع السعودية والتي وعد بايدن بتحجيم مكانتها في خطابه الإنتخابي كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في آواخر تشرين الأول المنصرم ، فلا فشل المفاوضات الإيرانية مع السعودية أكسب دول الخليج " مسمار جحا " ، ولا النفوذ الامريكي أكسبها " خفي حنين " بعد إلتفات واشنطن لما تعتبره الأهم في مرحلة المهم في إتفاقية اليونان التي تستدرج تعزيز التواجد الامريكي في شرق المتوسط و البحر الأسود ، والتي تراقبه موسكو عن كثب وتحذيراتها الآخيرة التي وجهها الرئيس بوتين بأن نشر صواريخ متوسطة المدى في أوروبا ضار بالأمن القومي الروسي و يستدعي خطوات رد مناسبة ، لا بل لم تعتبر موسكو شعاع الشمس في الميدان السوري عبر الضوء الأخضر الإمريكي في تمرير الغاز المصري لكل من لبنان وسوريا حافزا˝ لتخفيف التوترات مع واشنطن بذات القدر الذي ما تزال واشنطن تسخنه في الداخل اللبناني و بقبضة الخليجيين التي تحكم الإرتباط اللبناني بإيران ، و من المعلوم بأن التوافق الروسي الأمريكي لا تشمله تصاعدات التسخين التي تبطن العلاقات من واجهة الناتو و التواجد العسكري في البحر الأسود و محاولات ضم أوكرانيا للحلف و تصعيد التسخين في حيز حلفاء موسكو و بالتناغم مع تركيا و أوروبا في القارة السمراء وما تحمله من تعويضات خرجت من قبضة واشنطن في أفغانستان و قد تخرج منه واشنطن في الخليج الفارسي الذي بدت فيه الصورة مغايرة لما كتبته السياسة الأمريكية في جعل الحلفاء أكثر شرعنة في أن يفتحوا النوافذ على مصرعيها ، فهل سياسة المقايضات بالبدائل عن الحلفاء الأقدم هي ناجعة واشنطن في القادم ؟ أم أن ترتيب أولويات الأدوار باتت هي ورقة السياسة الحالية في وجه المستجدات لترحيل ما تبقى من ملفات عالقة ومحرجة ترى فيها واشنطن معالم المرحلة المقبلة بعد آسيا ؟ فالقادم سيبدأ من الحروف الأولى لما بعد الإتفاق النووي مع طهران و ما سيكتبه المستقبل.