مشاركات "اوكرانيا"...و صراع المتناقضات الإستراتيجية !! فاديا مطر

"اوكرانيا"...و صراع المتناقضات الإستراتيجية !!
فاديا مطر
- منذ بدء العملية العسكرية الروسية لحماية إقليم دونباس في آواخر شهر شباط المنصرم ، و متناقضات الرقعة السياسية و العسكرية و الإقتصادية الغربية تتوضح جلياً لجهة ما كان مخططاً و ما يحدث على الأرض ، فالولايات المتحدة و حلفاؤها الغربيون يستعملون ذلك الصراع لكسر الدولة الروسية ، و هو ما حاولت موسكو جاهدة تجنبه عبر عقود و بجملة معاهدات أمنية وسياسية مع الناتو ، إلا أن الأمر ليس متعلق بروسيا فقط ، بل بأي دولة ذات سيادة ترى فيها واشنطن خط مناوئ لمعسكرها حتى لو تطور إلى مواجهة غير تقليدية محتدمة مع أكبر دول عالمية ، حيث الرأسمالية الأمريكية المنطبعة بكل أفكار ساكنوا البيت الأبيض و المتمثلة بما يسمى "دولة الأمن القومي" ترتكب بحق  نفسها و بحق حلفائها أخطاء باهظة الثمن بدءً من التردي المالي لهرمية الدولار و سرقة حيازة المتعاملين به علناً ، وصولاً الى دخول مرحلة فقدان عهد الدولار المكانة العالمية و إلحاق أضرار جسيمة في جسم الدولار المالي العالمي و إتجاه العالم الى إيجاد بديل أفضل و أكثر ديموقراطية ، فالتطور الحاصل حالياً في الصراع الروسي الغربي يمثل خطوة متقدمة نحو نظام مالي عالمي جديد يدعى EAEU يتم تطويره بسرعة من قبل الصين و روسيا بهدف الإستقلال عن إمبريالية الديون و العملة الأمريكية بحسب مواقع و صحف عالمية غربية ، فقد أكدت تلك المصادر أن سير الإنتقال الى نظام عالمي جديد سيستغرق وقتاً لا بأس به ، لكنه يستهدف بناء بنية تحتية قادرة على دعم نظام خطوط الغاز و النفط بشكل يتيح الطريق لتطبيق سليم و هو ما يوضح الأهمية التاريخية العميقة للتحولات التكتونية العالمية و التي أبرزها الصراع العسكري في اوكرانيا كوجه واضح لتناقضات الأهمية التاريخية الهائلة التي بدأ يجسدها الواقع الجيوسياسي الجديد شاملاً بقلبه العلاقات الدولية المستدامة نحو تنموية إقتصادية أكبر ، حيث ذكرت صحيفة "إنديا اليوم" الهندية أنه وفقاً لوزير المالية الروسي فإن روسيا سوف تتخذ إجراءات قانونية إن حاول الغرب إجبارها على التخلف عن سداد ديونها السيادية ، و هذا ما يؤدي الى تشديد  لهجة موسكو في صراعها المالي مع الغرب 
لكن الصورة المتضحة جلياً في أول تناقضات الغرب مع تصوير الوضع الروسي تقول أن تعافي سعر الروبل برغم العقوبات مرده الى إستمرار شراء الدول الأوروبية للغاز الروسي ، برغم أن بعض أعضاء الإتحاد الأوروبي قد بدأوا بإستبعاد النفط الروسي ، إلا أنه من غير الممكن إستبدال الغاز الروسي بالسرعة الكلية ، و هو ما يدفع بواشنطن الى هذه الفجوة آملةً بتعزيز أقدامها السياسية و الإقتصادية و تباعاً العسكرية في أوروبا ، لكن المراقبين لمودعات البنك المركزي الروسي يعرفون أن حجم إحتياطي البلد من القطع الأجنبي مطلع شهر نيسان الحالي قد بلغ 606 مليار دولار مقابل 617 مليار دولار تم تسجيلها في شهر آذار المنصرم ، و هذا غير ما يملكه البنك المركزي الروسي من إحتياطي الذهب و اليوان الصيني ، فقد حاولت واشنطن إعاقة بعض الدول الآسيوية مثل الهند في مجال التعاون العسكري مع روسيا ، لكن الجواب كان أن بدائل الأسلحة الروسية باهظة الثمن ، و أن دول مثل الهند لا تميل الى التنصل من العلاقة مع روسيا على الإطلاق ، و أن ركوب السفينة الأمريكية غير وارد في هذه المرحلة ، فشق عصا الطاعة بوجه واشنطن تعددت مناطقه من الخليج الى آسيا الوسطى الى أمريكا اللاتينية و  غيرها من الدول الإفريقية ، و هذا يُنذر بتمحور قطب آخر يتبعه أقطاب كبرى حول فقدان الولايات المتحدة للمكانة الدولية المالية و السياسية ، حيث أن الكتلة الدولارية النقدية التي يملكها غير الأمريكيين تساوي 34 تريليون دولار ، قرابة نصفها موجودة خارج الولايات المتحدة ، و أن أسباب الكثافة الدولارية في الخارج مرده الى هرم المجتمعات المتقدمة ، بالإضافة الى العجز التجاري السنوي للولايات المتحدة الذي يقارب تريليون دولار ، و هذا يوضح مفارقة ما يسوقه الإعلام الغربي و الأمريكي خصوصاً لجهة أن عدد كبير من الدول ترفض الإنصياع للعقوبات الأمريكية ضد روسيا ، و أن ليس هناك ما يمنعها من التبادل البيني بالعملات المحلية و الإبتعاد عن الدولار ، و إفساح المجال نحو عملات قائمة على السلع في الشرق إجمالاً ، مما يُضعف نظام الدولار و اليورو و هو ما يفسره التضخم الحاصل في الإقتصادات الغربية 
أما الشق العسكري و الأمني المرتبك للمعسكر الغربي فقد بات جلياً التناقض الحاصل برقعته على الأرض الاوكرانية ، مما كشف الكثير من أوراق ما يسمونه صقور الناتو من الأمريكيين و الأوروبيين و المتدخلون الليبراليون و النازيون الجدد ، حيث يتضح يومياً و منذ الأسابيع الأولى للعملية العسكرية الروسية الخبرة المأخوذة و المكتسبة من سوريا في،ساحات اوكرانيا بدءً من خبرة تحرير حلب من المتطرفين الإسلامويين ، وصولاً الى مفتعلات إرهابيي إدلب المتجسدة في كتيبة آزوف و المرتزقة الأجانب اللذين دفعهم الغرب الى الساحة الاوكرانية ، فقد بات معروفاً أن الهدف الحقيقي لقلب الخطاب المتعاظم في واشنطن هو تحويل الإنتباه عن الهزيمة القاسية و الكبرى في ماريوبول الإستراتيجية ، حيث تحاصر القوات الروسية بصبر إستراتيجي كتيبة النازيين الجدد و مستشاريها الغربيين من دول الناتو في مجمع أزوفستال الضخم البالغة مساحته 11كم2 ، و بحسب مصادر روسية مطلعة فإن مجمع أزوفستال في ماريوبول هو مبنى سري بعمق 30 متر تحت الأرض بطوابق متعددة ، يتضمن مقر سري لحلف شمال الأطلسي لإنتاج الأسلحة البيولوجية و يتواجد فيه ما يقارب 240 عالم و خبير أجنبي من دول متعددة إضافة الى عدد من ضباط حلف الناتو من أمريكا و ألمانيا و كندا و إيطاليا و إسبانيا و حتى تركيا و السويد و النمسا و بولندا و اليونان و فصيل من الفيلق الخامس الفرنسي ، و هم تحت حماية كتيبة "رينات آزوف" النازية التي تحوي قتلة و عناصر مدربة على القتل و محترفوا الجريمة و قناصون و مجرمي حرب ، و هم لا يستطيعون مغادرة اوكرانيا بسبب كونهم من المطلوبين لدول عدة بتهم جرائم كبرى ، و يقارب عديدهم من 3000 مقاتل ، حيث يدار هذا المقر من قبل شركة "ميتابيوتا" المملوكة للمدعو "هانتر بايدن" إبن الرئيس الأمريكي و بشراكة مباشرة مع الرئيس الاوكراني النازي زيلينسكي ، فقد حاولت فرنسا جاهدة عبر مخابراتها إجلاء الموجودين في الموقع بعمليات خاصة مراراً ، لكنهم فشلوا بذلك منا أدى الى إعفاء رئيس المخابرات الفرنسي "أريك فيدا" من منصبه ، وقد أوكلت المهمة من بعده الى الجنرال الأمريكي "روجر كلوتيه" الذي تم إسقاط طائرته الحوامة في محيط الموقع قبيل إقلاعها و ألقي القبض عليه لدى المخابرات الروسية ، و قد حاول الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون التواصل عدة مرات مع القيادة الروسية لتأمين ممر "آمن" لهذه المجموعة لكن رفض القيادة الروسية كان الأسبق 
فهم هدايا ثمينة جداً لدى القيادة الروسية ، و هو ما يفسر اللهاث الحار للقيادات الغربية نحو ماريوبول و مصنع أزوفستال الكبير ، و هذا ما يذكرنا بعمليات المحاصرة و القبض التي تمت في مناطق غوطة دمشق و درعا و حلب و بعض مناطق إدلب السورية في عام 2016 و ما كانت تحويه من هدايا ثمنية من ضباط إستخبارات أجنبية و عربية و خبراء و مرتزقة دوليين على الأرض السورية ، و هو ما يفسر وجود أصوات في فرنسا و ألمانيا تتعالى لإبقاء القنوات مفتوحة مع روسيا و لو بشكل جزئي و عدم إغلاق الأبواب السياسية معها بعدما فشلت النوافذ العسكرية ، مما يبرهن على فشل كبير للناتو و الأمريكيين في كسر شوكة روسيا و تنامي الحرب الإعلامية و السياسية و الإقتصادية لعلها تفلح في سرقة بعض منكسرات رقعة الحرب الاوكرانية التي تفضحها متناقضاتها الغربية و ما يحدث فعلياً ، فهل ستكون مفاجئات الأيام و الأحداث القادمة أكبر في كشف ما تخفيه الأرض الاوكرانية من مخططات الغرب على مدى عقود ؟ و هل كل هذا التوحش الغربي هو مدخل لما يمكن أن يقال فيه "أليس الصبح بقريب" ؟ فالأيام القادمة كفيلة بفضح التناقضات الغربية من السر الى العلن و كشف الضرورة العملية لمبررات العملية الروسية في حماية الأمن القومي الروسي.

 

2022-04-23
عدد القراءت (999)