
بايدن و إستراتيجيات التموضع...
فاديا مطر
- منذ تولي بايدن سدة الرئاسة في البيت الأبيض في مطلع لعام الحالي، و ما تزال الادارة الأمريكية الجديدة ترزح تحت ما ورثته من إدارة ترامب السابقة ، فالأخير ترك وراءه ما يكفي من ملفات شائكة تكفي الإدارة الجديدة مدة رئاستها لتنشغل في حل مستخرجاتها ، من ملف سوريا إلى العلاقة مع روسيا و الصين و كوريا ، وليس آخرها الخروج من الإتفاق النووي و الوضع في العراق و أفغانستان و الخليج و الحرب على اليمن و غيرها من ملفات أوروبا و الجائحة المرضية و باقي ما يتوالى من صراع أمريكي داخلي يقترب من حفرة مجتمعية ربما تطال عدة ولايات ، فالصراع السياسي الخارجي رمى بثقل كاهله على عاتق الرئيس بايدن بكل المواضع ليكون من نصيب الرئيس الذي تصدر حيز مهم في عهد الرئيس الاسبق " باراك أوباما " الذي عُقد في عهده الإتفاق النووي مع طهران في العام ٢٠١٥ ، وهو ملف يقع كبيضة قبان لحلحلة الكثير من الملفات المرتبطة به خصوصاً بعد عملية إغتيال القادة الشهداء الفريق قاسم سليماني و أبو مهدي المهندس في كانون الثاني من العام المنصرم و الذي بدوره غيّر الكثير من أقفال الملفات التي تأثرت بالرد الذي صنعته طهران في قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق ، فالأدارة الجديدة في واشنطن التي وضعتها سابقتها بين فكي كماشة العودة إلى الإتفاق النووي بذات الشروط و ما بين الهروب إلى صياغة جديدة تحاول من خلالها إدارة بايدن تعديل بعض بنودها لتشمل القوة الصاروخية الإيرانية و الوجود الإقليمي لإيران في المنطقة كقوة عسكرية كبيرة ، إعتمدت فيها إدارة ترامب مبدأ الحصار الإقتصادي كحل لها و ما تزال إدارة بايدن تحمل ذات النهج ، لا بل تعتمدها خيارها الأوحد في وجه إيران بعد نفوق الخيار العسكري بأي إتجاه يكن ، وهو ما يجعل إدارة بايدن تحت مطرقة الجمهوريين الذين كان بعضهم مع خيار الحرب على إيران و لم تحظى أمنياتهم بإختبار ذلك الخيار مع عهد ترامب وما بين سندان تفوق إيران العسكري و السياسي ، فكيف ستواجه إدارة بايدن خيار رفض طهران لصياغة إتفاق جديد تحت ناظري الجمهوريين ؟ و هل القبول ببنود إتفاق العام ٢٠١٥ سيكون كافياً لتلبية الرغبات الإسرائيلية في المنطقة؟
- فيما تواجه واشنطن موقفاً أوروبياً ضبابياً حتى الآن و من أقرب الحلفاء ، ترى واشنطن فيه سنداً غير كافياً لعبور إتفاق جديد يضمن أمن إسرائيل و غرائز الحلفاء الخليجيين في تحسين وضع المنطقة بعد تموضع معادلات ردع جديدة في محور المقاومة و الحرب على اليمن كطريق لا يستطيع بايدن إهمال مؤثراته العسكرية برغم إشغال العراق بنمط متشقق من الخطوط السياسية و بعض الأحزاب الداخلية السياسية المتسقة مع واشنطن ، ومثيلاتها في لبنان و شمال شرق سوريا لا تستطيع وضع المؤثرات الكافية لردع طهران في إجبارها على خوض إتفاق جديد يحدد مرتكزات فترة رئاسة بايدن التي تقف على أبواب صراع داخلي غير معروف المآل ، فلا الشركاء كافيين للضغط على طهران من نافذة الإقتصاد ، ولا البرنامج النووي الإيراني مُرضي لأغلب شركاء واشنطن بصيغته الحالية ، وهو ما ترى فيه واشنطن مدخلاً غير صغير للولوج إلى ملف الحرب على اليمن و سوريا برغم بعض التطمينات الصغيرة التي رمت فتاتها إدارة بايدن كمبادرة حُسن نية على طريق القبول بالتفاوض ، وهذا يقع خارج التصنيفات الإيرانية لجدية عمل واشنطن و أوروبا و شركائهم الخليجيين في توسيع دائرة الإتفاق النووي بصيغة العقوبات الإقتصادية التي تفرضها واشنطن في محاولة جر طهران لموضع قدم أخرى تحت الرعاية الدولية الغير مؤثرة أصلاً ، فالترابط بين ما تريده واشنطن من إستنزاف طهران لبنود إضافية تطفي على عهد بايدن صبغة المنتصر في السياسة بعد فقدان العسكرة ، وما بين ما تقدم به الجمهوريين من إستعداء لإيران في عهد ترامب وصل لحافة الحرب ، تقع الحلقة المفقودة فيه في أوروبا التي ليست مع الجلد و لا مع العظم في توقيت الفك أو التركيب لأتفاق الدولية مع طهران على غرار ليبيا و السودان و غيرها من مفاصل التكنيك التي عبرت فيها أوروبا صفقة القرن كطريق غير مرئي للغايات الإسرائيلية التي رعتها عواصم التطبيع في أواخر عهد ترامب ، فماذا تريد إدارة بايدن من طهران فوق الطاولة و ما هو مقصدها من ما تراه بعيداً تحت الطاولة ؟ و هل يكفي الإبقاء على العقوبات او التصعيد في سوريا و اليمن و العراق لدرء ما وعدت به إيران من التحلل من بقايا ذلك الإتفاق ؟ هو ما يتستر به طريق بايدن في أولى خطواته التي لم تأتي في مكانها الصحيح حتى الآن فأيران التي وضعت أسس لتعامل المقبل على طاولة أي تفاوض حسمت بنودها عبر المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية سعيد زادة في ٢٢ شباط الحالي بضرورة رفع العقوبات المفروضة عليها كشرط أساسي لإستكمال أي محادثات مع واشنطن و أوروبا في سياق الإتفاق النووي و ليس تجديد البنود في إطار إتفاق جديد ، ملمحة بذات الشأن إلى عدم لعب واشنطن لعبة الإبتزاز في العراق أو اليمن و عدم العبث باللعبة الجيوسياسية الإقليمية كما حاولت إدارة ترامب وفشلت به ، فهو المنطق الذي لم تغيره طهران منذ بدء محاولات واشنطن وحلفائها ترحيل ملفات طهران السياسية إلى مناطق سياسية أخرى ، فلكل باب تفتحه الأسرة الدولية قفل تحكم ضبط مفاتيحه طهران حتى لو كان الخيار العسكري.