حوارات توب نيوز نور الدين ل«توب نيوز» و«البناء»: فشل أردوغان في تحقيق الأغلبية سيؤدي إلى تغيير السياسات التركية داخلياً وخارجياً

حاورته: روزانا رمّال

أكد الكاتب السياسي والخبير في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين «أنّ فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حصد أغلبية الأصوات في الانتخابات المقبلة، وبالتالي تشكيل حكومة ائتلافية، سيؤدي إلى تغيير السياسات التركية في الداخل والخارج، لأنّ كلّ أطراف المعارضة يطالبون بتغيير السياسة التركية في سورية وإغلاق الحدود ومعالجة أزمة اللاجئين، ما يشكل تحولاً جذرياً سيؤثر سلباً على القوى المعارضة للنظام في سورية».

وأشار نور الدين في لقاء مشترك لصحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» إلى «أنّ أردوغان يحاول ترهيب وتخويف الناخب الكردي تحديداً، من خلال استمرار التفجيرات الإرهابية والقصف الجوي لكي لا يقترع لحزب الشعوب الديمقراطي الذي حال دون حصوله على الأغلبية في الانتخابات الماضية»، لافتاً إلى «أنه يعمل على تخويف الناخب التركي في المعارضة بأنّ حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني سببهما خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية».

ورأى نور الدين «أنّ نيل حزب الشعوب الديمقراطي 13 في المئة في الانتخابات، لن يغير كثيراً في نظرة النخب الحاكمة التركية العدائية إلى الأكراد».

وقال: «حتى لو نال أردوغان النصف زائداً واحداً في الانتخابات فإنه لن يستطيع أن يحكم تركيا بالسياسة نفسها، لأنّ تركيا بحاجة إلى لملمة اللحمة السياسة الداخلية من خلال ائتلاف حكومي». وأضاف: «أمام أردوغان خيار الحكومة الائتلافية التي تؤدي إلى عقلنة السياسات التركية لا سيما الخارجية في سورية، أو الذهاب إلى انتخابات ثالثة لنيل الأغلبية أو التحالف مع القوميين الأكراد، ما يفتح الباب أمام صراع عرقي مع هؤلاء ما يهدّد الوضع الأمني في تركيا».

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً

بداية، كيف تشرح المشهد العام قبل أيام من الانتخابات التركية وما هي التوقعات؟

ـ أولاً، النظام الانتخابي في تركيا أقر عام 1945 وأول انتخابات برلمانية تركية حصلت عام 1946، ما يعني أنّ تركيا من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي اعتمدت الديمقراطية التعدّدية. ومنذ ذلك الحين تُجرى الانتخابات بصورة شبه منتظمة، يتخللها بعض الانقلابات العسكرية. أما قانون الانتخاب الحالي، فهو يعتمد النسبية وهو مهم لارتباطه بعملية تشكيل المشهد السياسي، وتركيا قد تكون البلد الأعلى في العالم في تطبيق حاجز الـ 10 في المئة التي يجب أن يحصل عليها كلّ حزب للدخول إلى البرلمان، حتى لو حصل على دائرة أو محافظة انتخابية بأكملها. هناك 29 حزباً سيدخلون هذه الانتخابات، لكن في السنوات الأخيرة وبسبب السياسات الاستقطابية لحزب العدالة والتنمية حصل نوع من الفرز الاجتماعي والسياسي بحيث باتت هناك أربعة بلوكات انتخابية تمثلها أربعة أحزاب دخلت البرلمان في الانتخابات الأخيرة وهي: العدالة والتنمية يمثل البلوك الإسلامي ، والشعب الجمهوري البلوك العلماني ، والحركة القومية البلوك القومي التركي والشعوب الديمقراطي البلوك القومي الكردي . إذاً نحن أمام برلمان ستتمثل فيه أربعة أحزاب، ولذلك ستكون المعركة قاسية وشرسة، وخصوصاً أنّ انتخابات حزيران الماضي لم تسفر عن فوز أي حزب بأغلبية النصف زائداً واحداً، بل أصبح كلّ حزب مضطراً للتشارك مع حزب آخر لتأليف حكومة واحدة. لكنّ تلك الأحزاب لم تستطع تشكيل حكومة ائتلافية لذلك ذهبت إلى انتخابات مبكرة في محاولة من كلّ حزب لتحسين وضعه، والتركيز الأكبر هو على مدى إمكانية نيل «العدالة والتنمية» نسبة النصف زائداً واحداً بعد عجزه عن تحقيق ذلك في الانتخابات السابقة، وعلى ضوء ذلك سيتشكل المشهد السياسي التركي.

هل سبق أن ذهب الأتراك إلى انتخابات مبكرة سابقاً، وهل تغيرت النتائج في الجولة الثانية؟

ـ ليست المرة الأولى التي تحصل فيها انتخابات مبكرة في تركيا، بل حصلت سابقاً لوجود أزمة سياسية أو سقوط الحكومة الائتلافية أو أنها شكلت فرصة لحزب ما لتعزيز وجوده في السلطة. لكنّ هذه أول انتخابات مبكرة تجري مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الأولى بعد فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية أعضاء البرلمان وهذه مهلة قصيرة جداً.

نحن أمام ظروف مختلفة كلياً عن ظروف الانتخابات الماضية، داخلياً وخارجياً، وأبرزها انفجار المشهد الأمني في تركيا، وحرب الحكومة التركية على حزب العمال الكردستاني وعلى الأكراد ومحاولة شيطنة حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد، وتفجيرات استهدفت قواعد حزب الشعوب الديمقراطي في سوروتش وفي أنقرة، ما هدّد الاستقرار الأمني، بينما شهدت تركيا استقراراً أمنياً عشية الانتخابات الماضية نتيجة المفاوضات بين الحكومة التركية والأكراد.

لماذا يتم ربط المتغيرات في المشهد التركي دائماً بعامل الأكراد؟

ـ كان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي يشارك في الانتخابات كحزب، وكان يحصل على نسبة أقصاها 7 في المئة، لكنّ هذه النسبة لا تخوله الدخول إلى البرلمان. للمرة الأولى وفي انتخابات حزيران الماضي قرر الأكراد الدخول، كحزب، وأخذوا 10 في المئة ما سبب مشكلة للرئيس رجب طيب أردوغان لأنّ حزبه لم يستطيع تحصيل عدد النواب الذي كان يحصل عليه في الانتخابات السابقة، فحزب الشعودب الديمقراطي نال 80 نائباً وهذا هو السبب الأساسي الذي أدى إلى كسر شوكة حزب العدالة والتنمية ومنعه من حصد الأغلبية، وبالتالي سقطت طموحات أردوغان في تعديل الدستور وتحويل النظام في تركيا إلى رئاسي، لذلك أعلنت تركيا الحرب ضدّ الأكراد والانتقام منهم.

هل يمكن أن تكون جهة خارجية ما قد دفعت الأكراد إلى خوض الانتخابات كحزب؟

ـ ترشح الأكراد، كمستقلين، لا يغير كثيراً من المعادلة السياسية في الداخل التركي، لكنّ قرار الترشح كحزب كان جريئاً ومغامرة. تركيا كانت تمرّ بأزمتين داخلية وإقليمية تزيدان من الضغوط على السلطة. داخلياً، كانت هناك ضغوط على المعارضة، بالإضافة إلى تراجع الوضع الاقتصادي والفساد المتفاقم في السلطة، ما شجع المعارضة على زيادة جرعة الضغوط على السلطة والشراكة في السلطة. أما إقليمياً، فقد جاء ما يسمى «الربيع العربي» الذي أنتج ظواهر متعدّدة، ولا سيما ما يتعلق بالأكراد في شمال سورية. وجد الأكراد أنّ حضورهم في الداخل التركي يزداد وفي المنطقة أيضاً، وخصوصاً أنّ أكراد سورية هم امتداد سياسي وعسكري لحزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني، وبالتالي هناك ضرورة بأن يتمثلوا في البرلمان بحضور فاعل ومؤثر.

الولايات المتحدة دعمت الأكراد في عين العرب ومنعت دخول «داعش» إليها، هل يوجد مانع أمام دعم أميركا للأكراد في الانتخابات؟

ـ أولاً، تركيا هي بلد أطلسي وبالقرار المركزي تركيا تتحرك في المنطقة ومحيطها الإقليمي، وفقاً للقرار الغربي التي تقوده الولايات المتحدة، ولا خيار لها إلا أن تبقى في حلف شمال الأطلسي وضمن القرار الغربي. الخلاف الأساسي الذي حصل بين واشنطن وأنقرة هو أنّ أردوغان منسجم مع الحالة الغربية في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يحاول تمرير مشروع خاص به وأن يصبح لاعباً أساسياً في المنطقة ومؤسس في نظام إقليمي جديد وليس متماهياً مع السياسة الغربية كلياً. هناك خلاف في الأولويات بين أنقرة وأميركا، ولا سيما في شأن إسقاط الرئيس بشار الأسد والمنطقة العازلة التي يريدها أردوغان على طول الحدود التركية ـ السورية ليحول دون تحليق سلاح الجو السوري وقصف مواقع المعارضة المسلحة، ولا سيما «داعش» و«الجيش الحر» وليس بهدف إيواء اللاجئين السوريين.

كيف ينظر الأتراك إلى الأكراد في المجتمع وما هو تأثير هذه النظرة على نتيجة الانتخابات؟

ـ تاريخياً، الإيديولوجيا الرسمية أسّست تركيا الجديدة الجمهورية في عهد أتاتورك على نفي كلّ هوية غير تركية من المجتمع والدولة واعتنقتها كلّ النخب السياسية المتوارثة على السلطة. الأتراك لم يقدموا شيئاً للأكراد حتى ما له علاقة بالهوية الثقافية، وليس فقط المطالب السياسية. العداء للأكراد جمع كلّ الأحزاب التركية وأردوغان قال إن لا قضية كردية في تركيا بل هناك مواطنون أكراد من أصل تركي، لذلك أيد سقوط عين عرب «كوباني». هناك حال عدائية تجاه الأكراد في سورية والعراق وكلّ المنطقة وليس فقط في تركيا، وإذا نال حزب الشعودب الديمقراطي 13 في المئة في الانتخابات فإنه لن يغير كثيراً في نظرة النخب الحاكمة التركية إلى الأكراد بل هناك ذهنية متجذرة متحكمة ولن تتغير بسهولة، بغضّ النظر عن الحزب الحاكم. لكنّ دخولهم إلى البرلمان كحزب وبـ80 نائباً من أصل 550 يقوي حضورهم السياسي ويسبب إحراجاً للحكومة التركية.

حذر البرلمان الأوروبي من تزوير نتائج الانتخابات كما تحدثت تقارير عن إمكان تمويل السعودية لحزب أردوغان، ما رأيك؟

ـ منذ العام 1946 حتى الآن، لم يشك أي حزب من حصول تزوير في صندوق الاقتراع في الانتخابات وهذا شيء إيجابي. وما يقصده الاتحاد الأوروبي هو حالة القمع السياسية التي تشهدها تركيا منذ ثلاث سنوات لمعارضي أردوغان والتضييق الإعلامي وإغلاق صحف ووضع الكثير من الصحافيين في السجن، ما يمكن أن يؤثر على العملية الانتخابية، إضافة إلى التفجيرات الإرهابية التي حصلت ونتيجة التحقيق لم تظهر بعد بل وجِّه الاتهام إلى «داعش» التي لم تتبنّ التفجيرات، ما يوجه أصابع الاتهام إلى الحكومة. هناك محاولة ترهيب وتخويف للإعلام المعارض للحزب الحاكم وللناخب الكردي تحديداً، بأنه سيتعرض للقتل والتفجير وخصوصاً أنّ خسارة أردوغان كانت بسبب التصويت الكردي لحزب الشعوب الديمقراطي، كما يقول أردوغان للناخب التركي من المعارضة التركية، أنّ حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني سببها خسارة العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية. ويعد أردوغان الناخب التركي بعودة الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الأمني، مستخدماً أساليب إرهاب الناخبين لنيل النصف زائداً واحداً، لكنّ استطلاعات الرأي متباينة في هذا الشأن، بينما غالبية الاستطلاعات تتوقع بقاء النتائج كما هي أو أن يحصد أردوغان نقطة أو اثنتين وهذا مرهون بالناخبين المتردّدين الذين يصوتون في ربع الساعة الأخير والذين يتعرضون للإغراء من أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو.

إلى أي مدى تؤثر الأزمة السورية على المشهد الانتخابي في تركيا، وخصوصاً على الانتخابات المقبلة؟

ـ المرحلة التي تمر فيها سورية، وخصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي والسعي إلى تغيير موزازين القوى أو جعلها أكثر توازناً بين النظام وحلفائه من جهة، وبين المعارضة ومن يدعمها، مرحلة حساسة جداً ومهمّة ومصيرية للسعودية وتركيا. فأي تغيير في موازين القوى سيجعل المشروع السعودي يفشل في أكثر من مكان، في اليمن فشل، وإذا فشل في سورية سيشكل ذلك نكسة كبيرة للسعودية. ميدانياً، تركيا هي الجهة الوحيدة التي تؤثر على سورية من خلال إدخال مساعدات عسكرية، لذلك السعودية في حاجة ماسة إلى تركيا في هذه اللحظة، ورغم الملفات الخلافية بينهما، إلا الملف السوري وإسقاط الرئيس بشار الأسد جمعهما.

إذا لم يحصد أردوغان النصف زائداً واحداً وشكلت حكومة ائتلافية في تركيا، سيؤدي ذلك إلى تغيير السياسات التركية في الداخل وفي الخارج لأنّ كلّ أطراف المعارضة يطالبون بتغيير السياسة التركية في سورية وإغلاق الحدود ومعالجة ملف اللاجئين، ما يشكل تحولاً جذرياً مهماً سيؤثر سلباً على القوى التي تعارض النظام في سورية. لذلك قد يحاول المال الخليجي التأثير في الخيارات وهذا رهن الناخب التركي، ولكن هناك فرزاً كاملاً للأصوات، وعودة حزب العدالة والتنمية إلى التفرد بالسلطة من جديد لا تعني عودة الاستقرار الأمني والسياسي والانتعاش الاقتصادي إلى تركيا بسبب السياسات الاستئثارية لأردوغان وحزبه منذ عامين والتي باتت غير قادرة على إدارة السلطة وحلّ الأزمة في البلاد.

من خلال نتائج الانتخابات منذ العام 2011 وحتى الآن نلاحظ أنّ نسبة الأصوات التي حصدها حزب العدالة والتنمية انخفضت من العام 2011 حتى الانتخابات الأخيرة، وهذا بسبب أزمات المنطقة، أولها الأزمة السورية وقضية اللاجئين الذين دخلوا إلى تركيا بتشجيع منها وعددهم مليونين ونصف ولا تستطيع تركيا ضبطهم، وقد جاء ذلك على حساب المواطن التركي وتهديد اقتصادي وأمني لتركيا، كما أنّ السياسة التركية في سورية، ولا سيما دخول تركيا، كطرف، في الصراع الداخلي السوري وتمدّد الإرهابيين، ما جلب الفوضى الأمنية والتفجيرات والنزاع العسكري مع الأكراد. لذلك فإنّ الأزمة السورية لها دور مهم في تراجع تأييد حزب العدالة والتنمية، لكنّ الدراسات في تركيا تشير إلى أنّ النواة الصلبة للتيار الإسلامي في تركيا تشكل 39 في المئة من الأتراك وهؤلاء يصبون لأردوغان بسبب رفضهم عودة التيار العلماني إلى السلطة وبالتالي عودة حالات قمع العلمانية والعسكرية المتوحشة للحالة الإسلامية وهو ما يبرّر بقاء حزب العدالة في تركيا كحزب أول.

ما هي توقعاتك لنتائج الانتخابات الحالية؟

حتى لو نال أردوغان النصف زائداً واحداً لا يستطيع أن يحكم تركيا بالسياسة نفسها، لأنّ تركيا في حاجة إلى لملمة اللحمة السياسة الداخلية من خلال ائتلاف حكومي، فأمام أردوغان خيار الحكومة الائتلافية التي تؤدي إلى عقلنة السياسات التركية، ولا سيما الخارجية في سورية أو يمكن أن يذهب إلى انتخابات ثالثة لنيل الأغلبية، لكنّ هذا ليس سهلاً رغم سماح الدستور بذلك. أو أمامه خيار ثالث وهو التحالف مع القوميين الأكراد وهذا يفتح الباب أمام صراع عرقي مع الأكراد ما يهدّد الوضع الأمني في تركيا.

هل يشكل حلّ أزمة اللاجئين مدخلاً لتركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

ـ تركيا هي أول من استدرج فتح هذا الملف لاسخدامه كورقة ضدّ النظام في سورية والآن وصل عدد اللاجئين إلى مليونين ونصف المليون لاجئ وهذا العامل ليس في مصلحة أردوغان لأنّ هؤلاء يأخذون من فرص العمل للأتراك ويسببون مشكلات أمنية واحتكاكات مع الأتراك. أردوغان يحاول أن يبقي اللاجئين في تركيا لكسب عطف أوروبا وليظهر أنه المنقذ من أزمة المهاجرين وليس مقابل دخول الاتحاد الأوروبي لأنّ هذه المسألة معقدة. أوروبا لن تقبل تركيا في الاتحاد تحت أي شرط من الشروط، لأسباب معروفة. وفي المقابل، الأتراك لا يريدون الدخول إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب متعدّدة.

2015-10-30
عدد القراءت (13755)